رواية (الطاعون) للبيركامو وعلاقتها بكورونا
لعل مقال أستاذنا محمد العلي (الغارة العمياء) التي نشرتها مجلتنا (اليمامة) في 2 أبريل 2020م حفزني للعودة لرواية (الطاعون) للبيركامو (1913-1960م) وهي بالمناسبة من أقدم ما احتوته مكتبتي المنزلية المتواضعة، فقد استعرته من مكتبة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية قبل 55 عاماً ولم أعده لأعجابي به ولما لكاتبه من شهرة كبيرة عند فوزه بجائزة نوبل للآداب عام 1957م ولكونه من مواليد الجزائر، وكان وقتها يوجد بكل وزارة في المملكة مكتبة ولها أمين وموظفون تقدم خدمات المطالعة والإعارة لموظفي الوزارة، وعندما تأخرت في إعادة الكتاب للمكتبة رفع أمري أمينها يوسف الطعيمي إلى مدير عام الوزارة وكان وقتها يقوم بمهامه مدير إدارة رعاية الشباب الأستاذ صالح بن ناصر – قبل ابتعاثه لأمريكا للحصول على الدكتوراه – فغرموني ضعف قيمته لادعائي فقده.
أعود لطاعون كامو، ولكون أبي عادل استشهد بمقطع من الرواية وهي عند بداية الحجر الصحي أو منع التجول في المدينة المنكوبة (وهران) بالجزائر.. وهو ما يشبه أيامنا هذه بسبب كرونا، مع فارق التشبيه ومع حديثه عن الموقع وكأنه قطعة من فرنسا، إذ لم يرد ذكر أو اسم لعربي بها على الإطلاق. سوى ما قالته بائعة التبغ لموظف البلدية (غران): «.. ذكر اعتقال عامل تجاري في الجزائر كان قد قتل عربياً على أحد الشواطئ، فأثار اعتقاله ضجة في المدينة، وقد قالت البائعة معلقة: لو وضعت هذه الطغمة كلها في السجن، لاستطاع الناس الشرفاء أن يتنفسوا. «.
بطلا الرواية هو الدكتور برنار ريو، ومسؤول البلدية جوزيف غران، وحين فوجئ سكان المدينة بخلوها من القطط ووجود كثير من الفئران الميتة في الطرقات وعلى سلالم المنازل، وإخراج كثير من حاويات القمامة من المنازل مليئة بالفئران الميتة.. وبعد مداولات وتحقيقات تأكد لهم أنه (الطاعون).
وجرى نقل المرضى إلى المشافي حتى أمتلأت فحولت المدارس والملاعب إلى مصحات مؤقتة، وبدأت الوفيات تزداد يومياً، وقالوا: «إن الطاعون يوفر أصحاب الأجسام الضعيفة ويهدم خاصة الأجسام القوية..» وحين اكتشفوا خلو المقاطعة من الأمصال الكافية فطلب احضارها من باريس… واختلفوا في تسمية الوباء بالحمى المتفاقمة أو الطاعون. فقالت الهيئة الصحية:» المهم فقط أن تحولوا بينها وبين أن تقتل نصف المدينة.»..
ظل أسرى الطاعون المحتجزون في بيوتهم يتململون مقاومين على قدر استطاعتهم.. وبمشاعر قلقه. وكان أكبر تلك المشاعر الافتراق والنفي، فأخذ البعض يشعل النار في البيوت ظناً منهم أنهم يميتون بذلك الطاعون.. وقالوا: إن الطاعون يخص ببلائه جميع الذين اعتادوا على العيش جماعات. كالجنود ورجال الدين والمساجين…
ونشأت عصابات تنهب البيوت، ومنحت السلطات أوسمة للأطباء والجنود الذين يقدمون خدمات كبيرة باسم (وسام الوباء).. وكثرت الوفيات، وألغيت مراسم الدفن، وأصبح المرضى يموتون بعيداً عن أسرهم.. ورغم قلة المواد الغذائية وعدم توفرها، قتل الطاعون كثير من الممرضين وحفاري القبور.. وكان لا بد للعدوى من أن تنتقل أياً كانت الاحتياطات.. وضاقت المقابر.. ودفن بعضهم بمقابر جماعية.. وكف الناس عن الاهتمام بنوع الثياب والمآكل، فأصبحوا يقبلون أي شيء… «.. وأصبح المرء لا يستطيع أن يثق بجاره، وأن هذا الجار جدير بأن يعطيك الطاعون..».
استبد القلق بالناس بتفاقم الصعوبات التي كانت تنتج عن الإعاشة.. ففقدت من بعض الأسواق. وإن وُجدت فبأسعار فاحشة..» .. وقد كان مقدراً للطاعون، بما كان يتصف به من تجرد فعال، أن يعزز المساواة لدى مواطنينا، ولكنه بما أتاحه للأنانيات من مجال، زاد شعور الناس بحس الظلم، وبالطبع. كانت لا تزال هناك مساواة الموت التي ليس عليها من مأخذ، ولكن لم يكن هناك من يرغب في هذه المساواة..».
وكانت الصحف تعبر عن التفاؤل..» .. والذي يقرأ هذه الصحف يجد أن ما كان يميز الموقف حالة الهدوء ورباطة الجأش المؤثرة، التي كان يظهرها الشعب..». ومع ذلك فالطاعون لا ينسى أحداً وقتاً طويلاً..» .. ولم يكن أخيراً يتقدم في سيره المتئد المتقطع. وقد علقت السلطات أهمية على الأيام الباردة لوقف هذا التقدم، ومع ذلك فقد ظل يزحف حتى عبر الأيام القاسية دون أن يهن، وكان لا بد من الانتظار بعد. ولكن الناس، لفرط انتظارهم، باتوا لا ينتظرون، وكانت مدينتنا كلها تعيش من غير مستقبل..».
وقال مترجم الطاعون سهيل إدريس: «.. أما (الطاعون) فهي خير ما كتب كامو تعبيراً عن فلسفته وموقفه من الحياة: إن الإنسان يواجه حياة (عبثيه) لا توحي بغير اليأس، ولكن قيمة الإنسان ونبله يلزمانه بأن (يتمرد) على هذه الحياة. إن الطاعون والحرب ليسا إلا رمزاً لهذه العبثية التي تسحق مدينة وهران وتقطعها عن سائر العالم ويموت فيها الإنسان كأنه جرذ. غير أن واجب الإنسان أن يتمرد وأن يقف في وجه هذا الطاعون، لا أن يستسلم له..» وقال إن هذه الرواية قد ترجمت إلى معظم لغات العالم.